رؤية جوزيه
الدربي الأفريقي الكبير..! الخميس 29 أبريل 10:28AM 2010 لا يمكن أن أزعم أن هذه هي الخطوات الأولى لي في عالم الكتابة، فأنا ما زلت أحبو، والزحف مجرد أمل، ولا يعني بالضرورة أن تكون لديك القدرة على السير خطوات أكبر وأبعد. لقد ترددت للحظة في قبول عرض موقع "سوبر"، لكنني قررت في النهاية قبول التحدي، والكتابة عن كرة القدم... عن الماضي وعن الحاضر.. عن خبرتي وانطباعاتي الشخصية، وعن خبرتي وتجاربي في ذلك العالم الساحر. أقوم بذلك بكل فخر واعتزاز، من أجل قارئ يستحق مني كل تقدير وحب واحترام. وقناعتي الراسخة أن الفترة التي قضيتها في العالم العربي، والتي تقدر بست سنوات ونصف سنة هي الأجمل في حياتي، منحتني كل شيء، وأمدتني بقدر هائل من السعادة سواء رياضيا، أو اجتماعياً أو ثقافياً. وأجمل بداية أو الخطوة الأولى لي في عالم الكتابة الساحر هي الحديث عن الدربي الأفريقي العظيم بين الأهلي والزمالك. التعادل 3/ 3 في الدربي الأخيرضمن للأهلي بطولة الدوري منطقياً، لذلك فإنني في البداية أهنئ صديق العمر حسام البدري على ذلك الانجاز. ولم يكن الأمر سهلاً حتى على أي مدرب مخضرم، بينما تلك هي التجربة الأولى للبدري مدرباً. ولعل نجاحه يكتسب أهمية كبيرة لسببين أولهما يعود للانجازات السابقة للفريق، وثانيهما لأن الأهلي يمر بمرحلة تجديد لأفضل فريق على مدار تاريخه الممتد لـ102 سنة.
فقد تعودت الجماهير على مشاهدة عروض راقية من الفريق أشبه بعروض الأوبرا، لكن العازفين الماهرين الذين طالما أمتعوهم لم يعودوا موجودين، أو ليسوا في أفضل حالاتهم. لكن صديقي العزيز البدري استطاع أن يسيطر على الموقف، ويخرج فائزاً وبطلاً للدوري. وسواء حسم اللقب رسمياً في لقاء المنصورة، أو في جولة أخرى، فإنني أنتظر بكل شوق وحب كي أعانق صديقي العزيز البدري، وأعانق كل المنتمين لذلك النادي، ومشاركتهم أفراحهم، وتهنئة 40 مليون مشجع اعتبرهم جميعاً عائلتي الثانية. هذا كنت ما أفكر فيه، ورتبت كل أموري لزيارة القاهرة، والاحتفال مع الجميع في الفوز، اما في مباراة المنصورة او في مباراة لاحقة، لكنني فكرت بعمق أكثر عن ترتبات هذه الزيارة، وانعكاساتها، خصوصاً ان الوقت غير ملائم بعد خسارة الفريق في دوري أبطال افريقيا امام الاتحاد الليبي، والاجواء ليست في أفضل احوالها. وفي المقابل لن يكون وجودي في القاهرة عادلاً في حق حسام البدري، لان لقب الدوري جاء بفضل قيادته، وهو يستحق كل الاشادة والثناء، وأخشى ان تركز الجماهير على وجودي. كما انتهز الفرصة بابلاغ هذه الجماهير بعدم رفع طموحاتهم وتوقعاتهم بعودتي، رغم انني سأعود الى القاهرة للقاء اصدقائي وزملائي السابقين وجماهير الاهلي الرائعة الذين عاملونني مثلهم، مثل رجل مصري، لكن وقتي مدرباً للاهلي انتهى ولن يعود.
تناقض ورغم أن الأهلي أنهى الدور الأول من الدوري بفارق مريح، إلا أنه عانى من بعض الصعوبات في الدور الثاني، بينما أوضح لي دربي القاهرة أن الزمالك هو الفريق الأفضل في الملعب حالياً، وهذا التفوق الزملكاوي لا يعود لمجرد تغيير المدرب هنري ميشيل. إذ يعود الفضل بالأساس لحسام حسن الذي ولد قائداً بالفطرة، فهو يملك القدرة على تحفيز لاعبيه، وإخراج كل إمكانياتهم، وهذا ما نجح في غرسه في لاعبي الزمالك فتحسنت النتائج والعروض بصورة هائلة، رغم النتائج المتواضعة في الدور الأول في ظل وجود المدرب الفرنسي.
لقد استطاع الأهلي التعادل في الدقيقة 92، وهو يدل على أن إصرار لاعبي الأهلي، وبركات بالذات، لا يقل عن إصرار حسام حسن عندما كان لاعباً. فهما يتنافسان في منطقة واحدة أو صفة يتميزان بها عن بقية اللاعبين. وليس غريباً أن يحرز الهدف بركات، فهو يؤمن دائماً أن المباراة 90 دقيقة، ولا تنتهي إلا مع صفارة الحكم. لقد كان أبوتريكة "نجم" فريقي ، ولكن بركات كان "روح" الفريق، بحماسه وسرعته ولعبه الرجولي وغيرته، فقد كان أشبه بمن يحمل الفريق على كاهله، ورغم حجمه الضئيل وقصر قامته إلا أنه كان عملاقاً. حسام حسن وبركات يراهنان على شيء نفتقده في هذا العالم المادي، لقد اعتدت دائماً أن أقول للاعبين إن كرة القدم لعبة أطفال يقودهم رجال محترفون، لذلك عندما نلعب ينبغي ألا نتخلى عن طفولتنا، ونواصل اللعب، وقد كان حسام حسن وبركات طفلين على الدوام، لذلك فإن بركات أظهر ذلك الجانب بإحرازه هدف التعادل في الدقيقة 92.
الجوانب النفسية
هذا الدربي له جوانب نفسية قوية، وهذا الهدف في نهاية المباراة كان له مفعول السحر على الأهلي وجعله يحافظ على تفوقه في الدربي والدوري. فلم يكسب الزمالك أي دربي منذ فاز ببطولة الدوري بدون هزيمة في موسم 2003/2004 بقيادة نيلو فينجادا، لذلك فإن ذلك يشكل عبئاً ثقيلاً على لاعبي الزمالك. وعندما أتيت للقاهرة، أدركت مدى أهمية العامل النفسي والروحي على اللاعبين، ومدى تأثيرها على أدائهم. بل إنني اشتريت ترجمة معاني القرآن باللغة البرتغالية، كي أفهم عقلية اللاعبين، وكان ذلك القرار صائباً للغاية وقتها. وفي هذا السياق لا بد أن أشير إلى قصة أخرى أو تجربة عشتها مع الأهلي في مواجهة ذلك المنافس الكبير. لا أستطيع أن أنسى مباراة نهائي الكأس ضد الزمالك منذ عامين والتي انتهت بفوز الأهلي 4/3، وهي من أكثر المباريات إثارة في السنوات الأخيرة. في هذه المباراة استفاد الزمالك من أخطاء مدافعينا، وتقدم 2/ 1 حتى قبيل نهاية المباراة بدقيقة ونصف دقيقة، لكننا استطعنا التعادل لنلعب وقتاً إضافياً، وحتى في تلك النصف ساعة تأخرنا بهدف ثالث مرة أخرى، واستطعنا التعادل ثم إحراز هدف الفوز في النهاية. ولا أنسى ما حييت ما حدث بعد المباراة، فبعد أن تسلمنا الكأس والميداليات، أخذت أحتفل مع اللاعبين بالفوز والبطولة، خاصة أن مذاق الفوز كان مختلفاً لأنه جاء بعد الفوز على الزمالك، وكنت قد قرأت كثيراً عن معنى وأهمية الفوز بالدربي القاهري. وعند نزولي من المقصورة شعرت بأنني يجب أن أواسي لاعبي الزمالك، وأهنئهم على أدائهم الراقي، لأننا رغم كوننا الأفضل، إلا أن الزمالك لعب مباراة كبيرة، وكان لا بد من تحية اللاعبين واحتضانهم ومعهم مدربهم هنري ميشيل. وما زالت صورتهم حاضرة بقوة في ذاكرتي، فقد كان اللاعبون منبطحين على الأرض ، والحزن والصدمة يكسوان وجوههم. وما زلت أتذكر كلماتي لهم: لقد قلت لهم إن الحظ وقف الى جانبنا وعاندهم، وأنني سعيد لأنني فزت على فريق كبير في مباراة تاريخية. وطيلة حياتي كنت حريصاً دائماً على أن أتخيل شعور الطرف الآخر، وأضع نفسي مكانه، لأن هناك خيطاً رفيعاً بين الفرح والحزن، بين الابتسامة والدمعة.
الخجل كما ذكرت من قبل فان الديربي بين الأهلي والزمالك له خصوصية شديدة، والمنافسة بينهما تزيد أضعافاً مضاعفة عندما يلتقيان وجهاً لوجه. وتجربتي الأولى مع الأهلي لا أنساها أبداً. ففي الموسم الأول لي 2001/2002 فزنا بدوري أبطال أفريقيا، لأول مرة منذ 14 عاماً، ثم فزنا بالكأس السوبر الأفريقية لأول مرة في تاريخ النادي، بعد أن هزمنا كايزر شيفز الجنوب أفريقي. ورغم كل هذا النجاح، شعرت بأن الناس لم تتقبلني، والكل ينظر لي بشك وعدم ارتياح. وكان السبب ببساطة أننا خسرنا من الزمالك في الدوري 2/1، لذلك كانت كل أحاديث وتعليقات الجماهير تنصب على: الزمالك.. الزمالك.. الزمالك!
كنت لا أدرك وقتها أهمية ذلك الدربي، وكنت أجادل الجميع: لقد فزت ببطولتين، في منتهى الأهمية للنادي، وكان الرد دائماً، مهما فزنا بالبطولات لا بد من الفوز على الزمالك. في هذه المباراة خسرنا بأيدينا نحن، فقبل المباراة بيوم قلت للاعبين إن الزمالك ليس لديه سوى لاعب واحد سريع في الدفاع هو بشير التابعي، أما الباقون فان حركتهم بطيئة للغاية، ولذلك سنلعب على الهجمات المرتدة. ونبهتهم أننا حين نفقد الكرة سنبدأ بالضغط على المنافس من منتصف الملعب، وسنلعب بمهاجمين صريحين بعرض الملعب. ولكن المباراة انتهت بكارثة، فقد خسرنا 2/1، وكان يمكن أن تصل النتيجة إلى أربعة أو خمسة أهداف. فبدلاً من أن نغلق منتصف الملعب تراجعنا إلى قرب خط منطقة الجزاء، بسبب خوف اللاعبين من الزمالك. وخسرنا بعد عرض بالغ السوء ضايقني كثيراً، عرض أغضب مشجعينا في الدقائق الأخيرة، لدرجة أنهم بدأوا في قذف الملعب بكل ما طالته أياديهم. وعوقبنا باللعب بدون جمهور في المباراة التالية، وكان المشهد عجيباً ونحن نلعب في ستاد يتسع لـ100 ألف متفرج، والمدرجات خاوية تماماً. وتعرضنا لانتقادات لاذعة من الصحافة، وكان النقاد على حق، لكن ذلك دمر اللاعبين وأحبطهم. لكن القدر كان يخبئ لنا مفاجأة سارة.
تاريخ
في المباراة التالية ضد الزمالك، ضمت صفوفنا عدداً من اللاعبين الشباب من المنتخب المصري تحت 20 سنة الذي كان قد أحرز المركز الثالث في كأس العالم في الأرجنتين في 2001 . لقد عادت المجموعة من البطولة وانضموا إلينا قبل خمسة أيام من المباراة، وطلبت من اللاعبين الانضمام للفريق الأول، وشرحت لهم عيوب الزمالك التي لم تتغير، ومنها البطء الشديد للمدافعين، وطلبت منهم الضغط على المدافعين من الأمام، قبل حتى منتصف الملعب، ولعبت أيضاً برأسي حربة، وتعمدت إغاظتهم بتذكيرهم بأنهم لعبوا المباراة الأولى بخوف شديد لا مبرر له، وكأنهم مجموعة من "الدجاج" من دون أن يكون معهم "ديك" واحد. وفي المحاضرة التي سبقت المباراة أخبرتهم أننا سنلعب برضا شحاتة وبيبو كمهاجمين صريحين، وسألت كل لاعب إذا كان يريد أن يكون دجاجة مرة أخرى أم لا. وكانت الإجابة لا. كان الجميع يريدون أن يصبحوا ديوكاً. وبعد نصف ساعة من المباراة كنا متقدمين 3/0، وانتهت المباراة بفوزنا 6/1 في النهاية، وهي أكبر نتيجة في تاريخ الدربي بين الناديين. وأحرز بيبو بمفرده أربعة أهداف، وكان يمكن أن تصل النتيجة إلى 10/1.
برج الزمالك لا أدري إن كنت قد بدأت التعلم، لكن يبدو أنني بدأت أحب الحبو أو الزحف في عالم الكتابة. لكن الحياة سلسلة من القصص والحكايات، ولا يمكن أن أختم ذلك اللقاء من دون الإشارة الى تلك القصة الطريفة. فقد كانت أول مباراة لي في القاهرة أمام ريال مدريد الذي كان يضم كوكبة من ألمع نجوم العالم، مثل روبرتو كارلوس وهييرو وزيدان وراؤول وفيجو ورونالدو، ونجوم آخرين لا يقلون بريقاً أو شهرة. وكان المؤتمر الصحفي في فندق الماريوت، الذي كنت أقيم فيه. وكان الفندق مكوناً من برجين، وكنت أسكن في برج الزمالك، وكنت أعرف بالطبع أن تلك التسمية تعود لأن الفندق في ضاحية الزمالك. وبعد انتهاء المؤتمر الصحفي، تحدثت مع أحد مسؤولي الفندق وكانت سيدة لطيفة تدعى مها، أصبحت صديقتي في ما بعد. قلت لها: كيف تضعينني في برج الزمالك، وأنا مدرب الأهلي؟!
فأجابتني ضاحكة: لو فزت على ريال مدريد سأغير اسم البرج. وأكدت لها، على سبيل الدعابة، أننا سنكسب.
ولم تصدقني بالطبع، ولم يكن من الممكن أن تتخيل أن يهزم الأهلي ريال مدريد، ولكن المستحيل تحقق، وأحرزنا فوزاً تاريخياً على ريال مدريد. ومع ذلك لم تف مها بوعدها، ولم يتغير اسم البرج، وبقيت هناك في برج الزمالك على مدار ست سنوات ونصف سنة، أحرزت فيها للأهلي 19 بطولة، وعشت أجمل أيام حياتي |